أحدث الأخبار
الرئيسية / نمط الحياة / «مطربة» و«الجوع» .. هكذا كان العرب يسمون سنواتهم

«مطربة» و«الجوع» .. هكذا كان العرب يسمون سنواتهم

كان العرب في جاهليتهم أمة أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة إلا ما ندر، وربما إن هذا ما أحوجهم إلى بعض التسميات التي تساعدهم على معرفة التاريخ. والتأريخ بالأحداث الشهيرة أمر درج عليه العرب منذ الجاهلية، ولعل أشهر تلك السنوات هي عام الفيل، وذلك لخطورة الحدث ولولادة رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ في هذا العام. واستمرت هذه العادة بعد مجيء الإسلام، فهناك عام الحزن سنة 8 هــ لوفاة أبي طالب، وخديجة ـــ رضي الله عنها ـــ وعام الرمادة سنة 18 هــ للمجاعة الشديدة، في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، وسميت السنة التي بايع فيها الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – بالخلافة بعام الجماعة وهي سنة 41 هــ. كما سميت سنوات أخرى بنفس الاسم لأحداث معينة مثل سنة 60 هــ، وسنة 73 هــ، وسميت سنة 69 هــ بسنة الطاعون الجارف لكثرة من مات فيها بسبب الطاعون.

وفي تاريخنا الحديث خصوصا في نجد والجزيرة العربية فحدث ولا حرج، فقد أصبحت تسمية السنوات بالأحداث الشهيرة أمرا معتادا، لكن التسمية غالبا ما تكون مقتصرة على منطقة معينة أو قبيلة بذاتها، وأحيانا إذا كان الحدث شهيرا وجسيما تشيع التسمية عند الأغلبية، وإطلاق هذه التسميات على السنين غالبا ما يكون بسبب القحط والجوع، أو الخصب وكثرة الأمطار، أو الحروب، أو الأمراض، أو بسبب حادثة غريبة غير مألوفة.

ولو أخذنا على سبيل المثال القرنين الحادي والثاني عشر لوجدنا أن أكثر من 20 سنة قد أطلق عليها أسماء معينة للأسباب سالفة الذكر، وسأعرض بشكل سريع بعض هذه السنوات ومسمياتها:

– سنة 1047هــ وقع القحط العظيم المسمى “بلادان” وسميت هذه السنة بسنة بلادان.

– سنة 1065هــ قحط شديد سمي “هبران”.

– سنة 1076هــ القحط والغلاء العظيم المسمى “صلهام”.

– سنة 1079هــ كثرت الأمطار وأخصبت الأرض وسمى أهل نجد هذه السنة بـ “دلهام رجعان صلهام”.

– سنة 1085هــ القحط العظيم المسمى “جرمان”.

– سنة 1086هــ القحط العظيم “حرادان”.

– سنة 1114هــ القحط والبلاء العظيم المسمى “سمدان” سمد فيه أهل الحجاز وأكثر البوادي.

– سنة 1116هــ غرقت مدينة عنيزة من السيل وتسمى هذه السنة بـ “غرقة السليمي” وهو رجل أعمى دخل السيل في بيته وأغرقه فمات.

– سنة 1135هــ في هذه السنة بدأ القحط والغلاء المسمى “سحي” وقد أستمر ثلاث سنوات، يقول المؤرخ النجدي عن سنوات سحي ما ملخصه: وعم القحط والغلا الشام واليمن ونجد وهلك جملة البوادي وغارت الآبار وجلا أهل سدير للزبير والبصرة والكويت، وجلا كثير من أهل نجد إلى العراق والأحساء وهلك كثير من بوادي حرب والعمارات من عنزة وبني خالد وغيرهم وقال شاعر من سدير:

غدا الناس أثلاثا فثلث شريدة

يلاوي صليب البين عار وجائع

وثلث إلى بطن الثرى دفن ميت

وثلث إلى الأرياف جال وناجع

وعدم الزاد في الحرمين واشتد الغلا في الحجاز ونجد وعدمت الأقوات وأكلت جيف الحمير ومات كثير من الناس جوعا.

هذا ملخص ما حدث في سنوات سحي الثلاث.

– 1139هــ كثرت الأمطار والسيول ورخصت الأسعار وسميت هذه السنة “رجعان سحي”.

– 1160هــ بدأ القحط المسمى “شيته”.

– 1165هــ نزل الغيث وأخصبت الأرض ورخصت الأسعار وسميت هذه السنة “رجعان شيته”.

– 1181هــ أول القحط والغلاء العظيم المسمى “سوقة” مات فيها خلائق كثيرة جوعا ووباء، وجلا كثير من أهل نجد إلى البصرة والزبير والأحساء.

– 1186هــ طاعون عظيم ظهر في بغداد والبصرة وعم العراق كله، هلك فيه خلائق كثيرة، ولم يبق من أهل البصرة إلا القليل أحصي من مات فيه من أهل البصرة وضواحيها فبلغوا 350 ألفا، ويقال إن هذا العدد هم من مات بالطاعون من أهل العراق في تلك السنة، أما في مدينة الزبير وحدها فمات نحو ستة آلاف شخص، وسميت هذه السنة سنة الطاعون.

– 1197هــ القحط والغلاء العظيم المسمى “دولاب” استمر ثلاث سنوات.

– 1200هــ نزل الغيث ورخصت الأسعار وسميت السنة “رجعان دولاب”.

هذه بعض السنوات المسماة في القرنين الحادي والثاني عشر، كما أن هناك سنوات أخرى سميت بأسماء حروب وأحداث أخرى. وهذه السنوات التي ذكرتها وردت في مصدر تاريخي واحد هو تاريخ ابن عيسى، ولا شك أن في المصادر التاريخية والأدبية الأخرى مسميات كثيرة.

أما إذا جئنا إلى القرن الرابع عشر الهجري، وهو الذي تعيه جيدا الذاكرة الشعبية، فسنجد تسميات كثيرة في بعضها طرافة مثل سنة 1374هــ التي يسميها أهل رويضة العرض بـ “سنة العزيمة”، لأنهم أقاموا فيها وليمة كبيرة بمناسبة زيارة الملك سعود –رحمه الله-.

وسأقوم بعرض سريع لبعض هذه التسميات مع أسبابها.

– 1301 هــ سنة “أم العصافير” سميت بذلك بسبب المعركة الشهيرة في الحمادة في روضة أم العصافير قرب المجمعة، وفيها يقول الشاعر محمد بن هويدي:

كون جرى بأم العصافير ما كان

خلى سباع طويق تشبع لحومي

– 1308هــ سنة “المليدا” سميت بذلك لوقوع المعركة الشهيرة في أرض المليداء في منطقة القصيم.

– 1318هــ سنة “الصريف” سميت بذلك لوقوع المعركة الشهيرة في هذا المكان شمال بريدة.

وبعد مجيء الملك عبد العزيز ـــ يرحمه الله ـــ سميت كثير من السنوات بأسماء معاركه التي قام بها لتوحيد البلاد، وهي معروفة للجميع منها: سنة جراب، وسنة السبلة، وسنة المشقوق، وسنة الأشعلي وغيرها. ومن السنوات الشهيرة في هذا القرن مما ليس له علاقة بالحروب:

سنة الجوع

تسمى سنة 1327هــ سنة “الجوع”، سميت بذلك لأن الناس لم يجدوا ما يأكلون فيها، فقد عم القحط والجدب، وغلت الأسعار، وعدمت الأمطار، ومات كثير من الناس جوعا.

سنة الرحمة

سميت سنة 1337هــ بسنة “الرحمة”، سميت بذلك لكثرة من مات فيها رجاء أن يشملهم الله برحمته، وكان ذلك بسبب مرض الحمى الإسبانية التي جاء بها وافد إلى الكويت ومنها انتقلت إلى نجد ومناطق أخرى. وقد مات في هذه السنة كثير من المشاهير والأعيان ومات عدد من أولاد الملك عبد العزيز ــــ ذكورا وإناثا ــــ من بينهم الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول، ثاني أولاد الملك عبدالعزيز الذكور، وفهد بن عبدالعزيز الأول، وخالد بن عبدالعزيز الأول.

سنة الطبعة

هناك عدة سنوات في تاريخ الخليج العربي تسمى بهذا الاسم من بينها سنة 1267هــ وسنة 1318هــ، وسنة 1343هــ، والسنة الأخيرة هي العالقة في أذهان الناس لحداثتها ولوجود أناس ممن عاصروها ما زالوا على قيد الحياة. والمقصود بهذه التسمية أن أمواج البحر المتلاطمة قد طبعت السفن والمراكب فأغرقتها، وقد مات جل من كان في هذه السفن. ونجا قليل منهم، وممن نجا من حادثة الطبعة سنة 1343هــ الشاعر ناصر بن كليب الكثيري، وفي ذلك يقول:

الطبعة الخطرة خطرها وطاني

موج البحر في غبته مطلحبه

عمري غدا مير الله وقاني

كله سؤال اللي ضناها تحبه

وكذلك نجا من هذه الحادثة الشاعر ناصر بن حماد التميمي، وقال في ذلك:

أنا ما تهيا لي بعمري وهــــــــــــــــــــالني

حذا ليلة سودا على اللي سرى بها

يوم على الديبل تطبع بها الخـــــــــــشب

كم واحد جت قدرته ما درى بها

ضربنا بنصف الليل نصف من الشهر

شهر ربيع الأول بعدة حسابها

دالوب غربية من العمر مطبعــــــــــــــــة

ثلاث ساعــــــــــــــــــات تنفض ربابها

في رأس تنـــــــــــــورة دفـــــنت جنايــــــــز

وفي سيف جدة يذكرون الغثا بها

سنة مطربة

سميت سنة 1354هــ بسنة “مطربة” سميت بذلك لهطول أمطار غزيرة على منطقة نجد، وسال كثير من الأودية مرارا، ويقال إن وادي الأديرع في منطقة حائل سال 47 مرة، وقد عم الربيع والخصب منطقة نجد في تلك السنة.

سنة الغبار

سميت سنة 1361هــ بسنة “الغبار”، يسمي أهل حائل وغيرهم هذه السنة بسنة الغبار، نظرا لكثرة الغبار والعجاج في تلك السنة، علما بأنه أقل مما يأتينا في السنوات الأخيرة.

سنة الغرقة

سميت سنة 1362هــ بسنة “الغرقة”، يسميها بذلك أهل حائل وغيرهم بسبب كثرة الأمطار التي هدمت بيوتا ومات ناس هدما وغرقا.

ومن السنوات المسماة أيضا في هذا القرن سنة الكسوف، وسنة المليح، وسنة الدفرات، وسنة طبخ الشيح وغيرها.

وللباحث فائز بن موسى البدراني كتاب مفيد في هذا الموضوع بعنوان “أشهر التسميات المحلية للسنوات الهجرية”، جمع فيه كل التسميات المحلية التي عثر عليها في التواريخ، وفي الأشعار والروايات الشفهية، وقد بذل فيه جهدا كبيرا يشكر عليه.

شاهد أيضاً

«الصحة والغذاء» تنبه حول استخدام قطرات العين

إحسان علام : دعت هيئة الصحة والغذاء، اليوم الخميس، إلى ضرورة التأكد من اتباع إرشادات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

x
تطبيق اونلاين تهامة القنفذة
تهامة القنفذة
حمل التطبيق من المتجر الان

الآراء  بدعم المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع