أحدث الأخبار
الرئيسية / المقالات / عازف المزمار والفئران

عازف المزمار والفئران

محمد الزحيمي :
منذ أن طل علينا الإرهاب برأسه خلال العقدين الماضيين وظهور الجماعات التكفيرية بداء بالقاعدة وأخيرا وما أظنه آخرها داعش وبينهما ما نعرف ومالا نعرف من هم على شاكلتهم ،يجمعهم فكر واحد هو تكفير ماعداهم ، ويميزهم كونهم بركة ماء جل وارديها من الظباء الخجولة الرتع.
الجميع يحاول معرفة دوافع أولائك الأطفال والشباب في مقتبل العمر الذين قدموا أنفسهم اضحيات طواعية على مذبح الإرهاب.
فشرقوا وغربوا وجال في الميدان جلادين محترفين ومتكلمين متكسبين ،سلكوا كل الطرق في محاولاتهم للخروج من هذه المتاهة بإجابة مقنعة شافية تكون خريطة طريق نحمي بها أبنائنا من الغام الفكر والكلمة المدفونة في طريقهم للمستقبل.
سلكوا كل بحور المعرفة وقراؤ الكفوف والفنجان وبحثوا في كتب السحر وعلم النفس والمخدرات والتنجيم ،ثم يعودوا ولسان حالهم يقول كما قال نزار قباني واعودو إلى طاولتي لاشئ معي إلا كلمات. …كلمات
لن أدخل في جدل بيزنطي حول الأسباب التي تدفع بالأطفال لقتل أمهاتهم أو مايجعل الشباب ينخرطون بأقل تأثير في سبحة هذا الفكر التكفيري الكاره للحياة ولما سواه من البشر.
لكن قررت أن أكون أول من يعلق الجرس لما أظنه الأسباب الحقيقية لهذا التطرف والسلوك الانعزالي الذي ينجذب إليه أطفالنا في رحلتهم للبحث عن الفردوس. …
اولا : لا أعتقد أن للتربية الأسرية ذلك التأثير وتحميل الأسرة جزاء كبير من المسؤلية فالإنسان يختلف عن كل المخلوقات الأخرى فهو كائن انتقائي في سلوكه الفكري الخاص ولايمكن لأحد أن يحمل انسان على إتباع سلوك فكري ما لم يكن هو مقتنع بهذا السلوك ووجد هذا السلوك القبول لدى النزعة الفكرية الباطنة للإنسان وكان مشبع لرغباتها الفكرية ،فلا يوجد في البشر شخصين متشابهين تماما في العقل والسلوك النفسي من أدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .نعم يتعلم الإنسان المهارات وحتى القيم العقائدية لكنه حين يمارسها يظفي عليها كينونته النفسية والفكرية التي تميزه عن جميع البشر. ..كلنا تعلمنا الصلاة وصفتها الواحدة ،لكن لايمكن ان تكون صلاتك مثل صلاة أخوك التوأم فكل منكما تؤاثر ماهيته السلوكية والانفعالية في صلاته فمنكما الخاشع ومنكما المستعجل وقس على ذلك. ..
نعود إلى دور الأسرة بعد أن عرجنا على عجالة على السلوك النفسي الفردي للإنسان، لنقول إن الأسرة ليس لها ذلك الدور الذي يرى البعض بأنه حجر الزاوية في سلوك الفرد وهذا غير صحيح، بل أرى أن دورها ثانوي وليس له تأثير كبير إلا في الأمور التي لايخضعها الفرد للسلوك الذاتي والفكر الباطن مثل العادات والحرف واللغة وبعض المهارات. …
دليلنا في ذلك كتاب الله تعالى،فقد أخبرنا الله تعالى بأن إبن نوح عليه السلام وزوجته لبثا في بيت النبوة قرابة الف سنة لكن دعوة الحق والسلوك الإيماني لم يتوافق وسلوكهما الباطن وهذا التوافق هو مايسمى بالهداية ومرجعه لله وحده (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)
وكذلك إمرأة لوط عليه السلام وقد وصف الله تعالى عدم التوافق هذا بين السلوك الفطري والسلوك الفكري الباطن لهم بأنه خيانة للفطرة الإنسانية المجبولة على عبادة الله سبحانه وتعالى. ..
ولمعرفة الصورة المعاكسة لذلك فلنذهب إلى إبراهيم عليه السلام وكيف تربى في كنف أب يصنع الأصنام ثم يطلب من إبراهيم عليه السلام بيعها،إلا أن تلك التربية السالبة لم تتوافق والسلوك الفكري الباطن لسيدنا إبراهيم عليه السلام عندما قدر الله في الأزل أن يكون من عباده المخلصين، وكذلك نموذج موسى عليه السلام وآسيا بنت مزاحم فقد تربى موسى وعاشا في منزل من ادعى أنه إله يجب ان يعبد فلم يتاثرا بهذا السلوك المخالف لسلوك الفطرة السليمة الباطن.
ثانيا : تأثير المجتمع ربما لايختلف كثيرا عن تأثير الأسرة، وإن كان المجتمع يتميز عن الأسرة كونه ذو سلطة رقابية سلوكية تجعل من أي سلوك للفرد مخالف يظهر بمظهر السلوك الشاذ المنبوذ بغض النظر عن هذا السلوك اصالحا كان أم طالح، أنظر إلى قوم ثمود وشركهم بالله ماذا يقولون لنبيه صالح عليه السلام عندما جاءهم بالسلوك الفطري القويم (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ).
لقد اعتبروا السلوك الفطري القويم سلوك شاذ لأنه لم يتوافق مع سلوكهم الفكري المألوف، وهنا تحدث المواجهة الحتمية بين الحق والباطل، وكما قلت فالمجتمع ذو سلطة رقابية سلوكية تجعل منه أكثر تأثيرا من الأسرة.
من هنا يتضح لنا أن المحرك الرئيسي لسلوك الفرد هو طاقته الفكرية والنفسية الباطنة وما الأسرة والمجتمع إلا مرآة قد تعجبه صورته المنعكسة عليها وقد يكسرها عندما يرى أن هذه الصورة لا تتماشى مع ما يريده لنفسه من حسن.

أخيرا : نتجه الآن صوب الدوافع الحقيقية لسلوك الفرد الشاذ والذي سا أسميه هنا التطرف والإرهاب، فكما قلت إن الطاقة السلوكية الباطنة هي المحرك الرئيسي لسلوك الفرد أكان هذا السلوك صالحا أم طالحا.
لكن يجب أن نعترف ضمنا بأن التوجيه يلعب دورا كبيرا في سلوك الفرد، ولا أقصد هنا التوجيه المباشر سوا من فرد لفرد أو من الأسرة أو المجتمع، لكني أقصد ذلك التوجيه التراكمي الذي يساهم في تكوين صورة باطنة لدى الفرد تختزل في سلوكه الفكري الباطن على هئية طاقة مختزلة، قابلة للانفجار والتحرر متى مآ وجدت أدنى محفز.
فالمريض بالاكتئاب تتكون لديه رويدا رويدا صورة قاتمة عن الحياة في سلوكه الفكري الباطن يصل معاها إلى قناعة باطنة بأن الحياة مصدر للألم والعذاب والمعاناة ، وعند وجود أدنى محفز كصدمة موت ولد أو قريب تنفجر الطاقة المختزلة في تلك الصورة ولا يجد سلوك يتوافق معاها إلا الخلاص من العذاب بالموت.
نفس الفكرة لدى من يدجج نفسه بالقنابل ثم يجعل منها أشلاء مبعثرة، الأول توافق المحفز مع الصورة الباطنة للحياة في فكره ولم يجد خلاص من العذاب إلا بالموت ويسمى إنتحار. …والآخر توافق المحفز عنده (الجهاد ) مع صورته الباطنة وطاقته العقائدية ولم يجد إلا قتل نفسه في رحلته للسعادة الأبدية في الفردوس وسموه إستشهاد.
إقترب وقت سقوط غرناطة بعد أن حاصرناها من كل الجهات، سندخل إلى ميادينها وسنصطحب معنا الشاعر الألماني الكبير جوتيه ليزيح لنا اللثام عن وجه عازف المزمار السحري من هاملن الذي تبعته كل الفئران.
لم يكن عازف مزمارنا السحري هذه المره ياسادة من هاملن، بل هم مجموعة من العازفين غرغروا بمدادهم الأسود آلاف والاف من الرقع البيضاء. ..سواء قصدوا أم لم يقصدو فإنهم تركوا موروثا سيذيقنا بأس بعضنا إلى آخر الزمان. …
إن مآ يحمله تاريخنا الإسلامي من صور للأعلام أو الأحداث جعله تاريخ حكايات تشبه حكايات الف ليلة وليلة. ..
إن أولائك الذين أخذوا على عاتقهم تزيين التاريخ وجعله أنموذج لايمكن الوصول إليه إنما خلقوا إنفصام مجتمعي في جيل الشباب فلا هم استطاعوا العيش في اليوم ،رافضين للغد، يبحثون عن آلة تعيد الزمان والمكان واللحاق بالجيل الرباني الفريد لسيد قطب (رحمه الله )على طريق التيه دون معالم.
قراءت كل كتب سيد قطب وكررت مرارا وتكرار قراءة معالم على الطريق رغبة مني في فهم مالذي يريد الوصول إليه، شدني تكراره للحاكمية وأن الحاكمية لله، مشيت خلفه وهو يحاول صياغة جيل رباني جديد ، واستوقفني حين جعل الأخذ بالقرآن الكريم فقط هو مفتاح بناء هذا الجيل.
طالبنا حينها وزارة التربية والتعليم بسحب كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام وكتاب معالم على الطريق من المكتبات المدرسية،وضرورة إبعاد ذاكين الكتابين ومن هي على نهجها عن عقول شبابنا،
ومن قبل سيد قطب الكثير من المؤرخين والمفكرين المسلمين الذين تركوا لنا ارثا مسموما، فمنهم من تحزب لشخص بعينه ووصل في تعطير سيرته إلى حدود الألوهية كما يفعل أغلب شيعة الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، وفي المقابل أدى هجومهم على خصومه (حسب قولهم )من الصحابة إلى ظهور فريق منازل لهم ومدافع عن الصحابة ونهج بعض هولاء المدافعين نهج الأولين فلمعوا من هو ليس بحاجة لتلميع واصبغوا على بعض الصحابة ما لم يدعوه، بل وصل الأمر ببعض المؤرخين للإرتقاء ببعض الصحابة ألى منزلة التدخل في الوحي وعلم الغيب حتى، يضاهون قول المتشيعين.
حين يتربى جيل ذو طاقة إيمانية كامنة على قصة في كتاب هو من أمهات كتب سيرنا تخبره بأن ثلاثة شباب أصدقاء مؤمنين مات أحدهم فدخلوا عليه وهو مسجى في بيت أمه ثم قاموا يدعون الله، فما غادروا حتى اكلوا الطعام معا، لابد وأن تنتابهم قشعريرة إيمانية تجعلهم هدف سهلا للمزامير السوداء. ..
نعم ياسادة إن كتب الألف الف فارس والألف الف جمل هي النبيذ المعتق الذي أدخل شبابنا في نشوة من السكر الفكري. ..
يجب مراجعة هذه الكتب وتنقيحها وسحب السم الزعاف من بين طياتها، فلا يمكننا وقف الطاقة الإيمانية الكامنة في عقول وسواعد شبابنا كما يدعي كتابنا ومفكرينا فهم يسبحون بذلك عكس التيار، لكن نستطيع أن نصحح ونوجه ولكن ليس بالاملاء والقسر، فطاقة الشباب هي حاجز منيع تجعل منهم فهودا صيادة لاتتناول الطعام من يد أحد. …فقط تأكل مآ تصطاد. …
فلنجعل أمام شبابنا في غابتهم طرائد لاتسممهم، وعلنراقب الغابة ونسورها بسياج يمنع كل المتسللين قديما أو حديثا، ولنلقي بالطعام في طريق فهودنا دون أن يشعروا، عندها بإذن الله ستعود فهودنا إلى غابتها الخضراء عنصرا فاعلا في سلسلتها للحياة.

شاهد أيضاً

المرشد يطالب وزارة التعليم ب 4 ايام حضوري ويوم عن بعد

قال الكاتب عبد الرحمن المرشد أن الدراسة هذا العام تعتبر الأطول في تاريخ التعليم لدينا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

x
تطبيق اونلاين تهامة القنفذة
تهامة القنفذة
حمل التطبيق من المتجر الان

الآراء  بدعم المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع